
منذ ظهورها المفاجئ على الساحة في عام 2016، مثَّلت حركة “حسْم” أحد أخطر التهديدات الأمنية في الداخل المصري، حيث نفَّذت سلسلة من العمليات الإرهابية الدقيقة التي إستهدفت شخصيات عامة، وضباط شرطة، ومقار أمنية، بأسلوب احترافي غير مألوف منذ سنوات.
لكن “حسْم” لم تكن مجرد تنظيم إرهابي مسلَّح عابر، بل مثّلت واجهة جديدة لصراع أوسع، تشترك فيه أطراف إقليمية ودولية هدفها لم يكن فقط إسالة الدماء أو قتل ضباط الأمن، بل، إضعاف هيبة الدولة أمام المواطنين، و إثارة الخوف والشك في قدرة المؤسسات الأمنية على حماية الشارع، وتخريب الاقتصاد عبر زعزعة الاستقرار والاستثمار، وكذلك إرسال رسائل سياسية للداخل والخارج بأن النظام ليس مستقراً، وأخيراً تصدير صورة مضادة للدولة المصرية للإعلام الدولي، لتبرير حملات التشويه الخارجية، التي تشنها لجان جماعة الإخوان عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
صنّفت مصر والولايات المتحدة تنظيم “حسم” كـ منظمة إرهابية، وفي السنوات الأخيرة، تراجع نشاط التنظيم بشكل كبير بفعل الحملات الأمنية الواسعة، لكن ظهر من الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر تغيراً في شكل الدعم المقدم الى الحركة، فمنذ عام 2017 وحتى اليوم، بعد الضغوط الإقليمية على قطر وتركيا، تغيّر شكل هذا الدعم من مباشر إلى غير مباشر.
أصبح التمويل أكثر تعقيدًا وسرية، عبر شركات وهمية، تحويلات خارجية عبر أطراف ثالثة، أو من خلال ما يُعرف بـ”الحقائب المالية”، وتحوّلت بعض الخلايا المرتبطة بـ”حسم” إلى العمل في الخارج كشبكات ضغط أو تجنيد، ممولة من جهات تتخذ من إسطنبول أو الدوحة مقرات لها.
إتضح استمرار الحماية السياسية والإعلامية، فتركيا لا تزال تستضيف شخصيات محسوبة على جناح الإخوان المتشدد، بعضهم كان على صلة بمن أسسوا “حسم”، كما أن الإعلام القطري “قناة الجزيرة” والمنصات الرقمية التابعة للإخوان، لا يزال يتبنى خطابًا عدائيًا ضد الدولة المصرية، ويوفر غطاءً ناعمًا للتنظيمات المسلحة تحت مسمى “المقاومة”.
الأجهزة الأمنية المصرية أعلنت مرارًا عن ضبط عناصر على صلة بمخططات تخريبية في الداخل، تلقوا تمويلات من الخارج (بعضها قادم من دول خليجية أو عبر تركيا)، هذه التمويلات غالبًا ما تكون مرتبطة بتحريك خلايا نائمة، أو بتمويل محاولات تجنيد جديدة داخل مصر، حتى لو لم تكن صريحة باسم “حسم”.
على الرغم من أن تركيا تحاول مؤخرًا تخفيف توترها مع مصر وبدأت في إعادة التموضع سياسيًا، كما وأن قطر تتبنّى خطابات التهدئة، خصوصًا بعد المصالحة الخليجية (اتفاق العلا 2021)، إلا أن الواقع يقول أن بعض الشبكات والتنظيمات ما تزال تعمل من أراضي الدولتين، سواء بعلم الدولة أو بتغاضٍ غير مباشر، وليس من المتوقع أن تسلم تركيا أي من تلك العناصر الإرهابية إلى مصر، بل من المتوقع إرسالهم إلى جهات أو دولاً غير معلومه.
تنظيم “حسم” لم يكن مجرد خلية عنف، بل مشروع تخريبي تمّ تصميمه بدقة، وشارك في دعمه وتغذيته تحالف إقليمي غير معلن، جمع بين المال القطري، والحاضنة السياسية التركية، والخبرة القتالية الحمساوية، والخطط الإخوانية طويلة الأمد.
حركة حسم، ذراع إجرامي جبان، لا يملك مشروعًا سوى سفك الدماء وتخريب الوطن لحساب ممولي الفوضى، ميليشيا ظل تقتات على أوهام الانتصار عبر فيديوهات مفبركة وتفجيرات غادرة تستهدف الأبرياء لا الخصوم، ليست سوى خنجر مأجور في ظهر الدولة، تُحركه غرف استخبارات الخارج لزعزعة الداخل.
حركة حماس التي وفرت التدريب والسلاح لأعضاء حسم، ترفع شعارات المقاومة لتغطي بها تواطؤًا سياسيًا وتجارَةً بالدم الفلسطيني، وما هي إلّا تنظيم ميليشياوي مسلّح، يزايد بالقضية ويقمع أهل غزة، ويفاوض من تحت الطاولة ما يهاجم علنًا، أضاعت البوصلة فتحوّلت من مقاومة الاحتلال إلى شريك في نزيف الأمة ومصالح إقليمية.
أما جماعة الإخوان مفرخة كافة الحركات الإرهابية فهي تنظيم ديني متقنّع سياسيًا، يطمح للسلطة ولو على جثة الدولة، عقلية إستعلائية فاشية، ترى الوطن مجرد محطة، والشعب وقودًا لمشروعها الأممي، جماعة ولاؤها خارجي، ومنهجها التمكين لا المشاركة، خربت ما وصلت إليه وأحرقت ما لم تصل إليه.
في النهاية من “الإخوان” الى “حماس” الى “حسم”، سلسلة تبدأ بالخداع الديني، وتنتهي بدماء الضحايا، وكلها تسير في خط واحد تحت عباءة الدين، وتحت أقدام الأوطان.