اسماء سليمان تكتب: نتنياهو وصناعة الأزمات

محمد دياب18 أكتوبر 2025
اسماء سليمان تكتب: نتنياهو وصناعة الأزمات
اسماء سليمان تكتب: نتنياهو وصناعة الأزمات

حتى لو تمكنت المقاومة الفلسطينية من العثور على كل جثامين الرهائن الإسرائيليين وتسليمها مع الأسرى الأحياء، فلن يعجز بنيامين نتنياهو عن افتعال أزمة جديدة يبرر بها استمرار عدوانه. فالرجل اعتاد أن يختلق الأسباب متى شعر بأن التهدئة قد تضع حكومته على حافة السقوط

 

نتنياهو يعلم جيدًا أن الاتفاقات التي تمت بين الأطراف المختلفة تضمنت بندًا واضحًا يعترف بصعوبة العثور على الجثامين في الوقت الحالي، وأن العملية قد تستغرق وقتًا طويلًا بسبب الدمار الهائل الذي تسبب فيه جيشه. كما أنه وقّع بنفسه على اتفاق يسمح بمشاركة أطراف دولية للمساعدة في البحث، خصوصًا في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الاحتلال أو التي دُمرت بالكامل بأوامره المباشرة

 

لكن الأزمة ليست في التفاصيل، بل في نوايا نتنياهو. فهو يدرك أن الانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاوض قد يهدد تماسك ائتلافه المتطرف، وأن شركاءه في الحكم الذين وعدهم بالعودة للحرب بعد تسلم الرهائن سيعتبرونه متراجعًا عن وعوده. لذلك يحاول الهروب من السؤال الأكبر الذي يلاحقه: لماذا استمرت الحرب طوال هذا الوقت بينما كان يمكن وقفها منذ شهور؟ ولماذا يعود إلى القتال بعدما فشل في تحقيق أهدافه وفقد بعض الرهائن خلال عملياته العسكرية؟

 

الذريعة الجديدة ليست سوى ستار يخفي وراءه رغبة نتنياهو في استمرار معاناة غزة، والإبقاء على المعابر مغلقة، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية. إنه يحاول كسب الوقت، وتعطيل المرحلة المقبلة من أي اتفاق، ووضع العراقيل أمام أي مسار سياسي قد يؤدي إلى إنهاء الاحتلال أو تقليص نفوذه

 

الولايات المتحدة من جانبها لم تُخفِ انزعاجها من ممارسات نتنياهو. فالإدارة الأمريكية أقرت بأن العثور على الجثث يحتاج وقتًا وجهدًا، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن تفاهم جديد يقضي بأن تتولى المقاومة الفلسطينية حفظ الأمن الداخلي خلال المرحلة الانتقالية، وهو أمر يثير قلق نتنياهو، لأنه يعني بقاء المقاومة كطرف فاعل بينما يُطلب من الاحتلال الانسحاب تدريجيًا

 

وفي خلفية المشهد، يظهر النفوذ الأمريكي واضحًا، فقرار الحرب أو التهدئة لم يعد في يد نتنياهو وحده، بل أصبح مرهونًا بإشارة من واشنطن، كما قال ترامب صراحةً: «بكلمة واحدة مني يمكن لنتنياهو أن يستأنف الحرب». وهو تصريح يعكس أن المسؤولية لم تعد إسرائيلية فقط، بل أمريكية أيضًا، بعد عامين من الفشل العسكري والسياسي رغم كل الدعم غير

 

إن المناورة الجديدة لنتنياهو لن تنقذه من مأزقه، لكنها تكشف حقيقة ثابتة: أن تحقيق السلام العادل يحتاج إلى جهد عربي ودولي مشترك يفرض على الاحتلال التراجع، لا أن يترك له حرية العبث بمصير المنطقة. فالسلام الحقيقي لن يولد إلا على أرضية واضحة المعالم: دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، وحدة الأرض الفلسطينية دون تجزئة، إنهاء الاحتلال لا تأجيله، وإعمار غزة كجزء من مشروع بناء الدولة وليس كرشوة سياسية أو صفقة مؤقتة

 

ما تحتاجه المنطقة اليوم ليس اتفاق هدنة جديدًا، بل قرارًا دوليًا ملزمًا يصدر عن مجلس الأمن، يضمن حق الشعب الفلسطيني في دولته، ويحميه من عدوان مستمر تجاوز كل حدود القانون الإنساني. وعندها فقط يمكن للعالم أن يقول إنه اختار طريق العدالة والسلام، بينما يظل نتنياهو يواجه مصيره المحتوم، مدانًا أمام التاريخ، ومطاردًا من ضمائر الشعوب التي لم تعد تنخدع بخطابه الزائف