
كما في مشاهد الأفلام تأتي لحظة السكون قبل أن تعصف الشاشة بانفجار أو مطاردة أو نهاية مدهشة. هذا ما حدث تماماً عقب الضربة الأمريكية الأخيرة ضد منشآت إيران النووية. الجميع تابع المشهد واختلفت التفسيرات: هل تعرّضت منشآت نطنز وأصفهان وفوردو لضربة موجعة فعلاً أم أن الصواريخ الأمريكية وجّهت إلى هياكل خاوية لا تحتوي شيئاً؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يفوّت الفرصة وظهر كعادته منتشياً معلناً أن الولايات المتحدة حققت “إنجازاً غير مسبوق” بتدمير قدرات إيران النووية دون إراقة دماء أو تسرب إشعاعي. أما طهران فقد التزمت الصمت أولاً اختارت الصمت في البداية ضمن خطة مدروسة بدقة
إذ إنها تفضّل دائماً أن تخفي أوراقها الاستراتيجية خلف ستار الترقب
لكن الكبرياء الإيراني لا يسمح بابتلاع الضربات دون ردّ خاصة حين يتعلق الأمر باليورانيوم عالي التخصيب، الذي يعتبر كنزاً سيادياً لا يُفرّط فيه بسهولة. فجاء الرد الإيراني محسوباً ومعلناً في آنٍ واحد: بلّغت طهران كلاً من قطر والولايات المتحدة بنيّتها شنّ هجوم صاروخي على قاعدة “العديد” الأمريكية. أُفرغت القاعدة وأُطلقت الصواريخ: 15 صاروخاً أُسقط منها 14 بينما وصل واحد فقط ليصنع المشهد الرمزي الذي أرادته طهران
الضربة حملت رسالة رمزية تتجاوز فكرة التدمير فالإيرانيون أرادوا أن يُقال إنهم ضربوا وتركوا أثراً ولو رمزياً على أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة. في المقابل رفعت إسرائيل شعارات النصر أكثر من مرة خلال أيام الحرب بينما في الخفاء كانت تراقب حسابات الردع وتعيد ترتيب أوراقها
وفي نهاية المشهد وعلى وقع التصعيد المحسوب توصلت الأطراف إلى اتفاق على وقف إطلاق النار. اتفاق لم يُفرض على أحد ولم يُظهر خاسراً واضحاً لكنه منح كل طرف ورقة يلوّح بها أمام جمهوره: ترامب ظهر منتصراً وطامحاً ربما لجائزة نوبل وطهران كتبت لنفسها رواية تاريخية تقول فيها إنها قاومت الشيطان الأكبر والعدو الغادر معاً وردّت على طريقتها
أما المنطقة؟ فقد دخلت في هدنة مؤقتة… هدنة تحتها جمر لا يزال حيّاً ينتظر فقط من ينفخ فيه