
بقلم: داليا مجدى عبد الغنى
يقول “تشارلز بوكو فسكي”: “سيأتي عليك وقت تضطر فيه للتوقف عن عبور المحيطات لمَنْ لم يقفزوا، ولا حتى في بركة ماء من أجلك”.
مهما كان شعارك بأن “العطاء بلا حدود”، فهذا الشعار سيأتي عليه يوم ويتوقف عن الاستمرار إذا تبين لصاحبه أنه يتعامل مع شخصيات ذاتية ليس لديها أدنى استعداد لتقديم أي شيء، فهم لا يُجيدون سوى الأخذ فقط، أما فكرة العطاء فليس لديهم أى علم أو دراية عنها أو قدرة عليها، فهذا الأمر بالنسبة لهم مُبهم ومجهول.
فللأسف الشديد، هناك اشخاص ترفع شعار “لا مكان للعطاء”، فهم يُصدرون كل طاقتهم للحصول على ما يريدون، دون أن يُفكروا في ان يُبادلوا العطاء بالعطاء، بل إنهم يُؤثرون هذه الحالة ويستمرءونها، لدرجة أنها تتحول إلى جزء لا يتجزأ من شخصيتهم.
والحقيقة أن هناك مَنْ يُرددون فكرة أن مَنْ يعتاد العطاء لمثل هذه النوعية من البشر، فإنه يُشجعهم على أن يستمروا في سلوكهم الأناني هذا، وبالرغم من اختلافي إلى حد ما مع هذا الرأي، لأن هذه التركيبة الإنسانية تكون نابعة من داخل صاحبها، لا تحتاج إلى سلوك إيجابي من الطرف الآخر، فعلينا أن نتيقن من أنه مهما كان عطاء أحد الأشخاص بلا حدود، فرغمًا عنه سيتوقف عن هذا العطاء، حينما يُدرك أن مَنْ أمامه ليس لديه الرغبة في تقديم أي شيء، فهو يتفنن فقط في الأخذ والاستحواذ، وفي الواقع فإنه يُجبر مَنْ أمامه أن يكره فكرة عطاءه له، لأن العطاء في الأساس نابع من المشاعر والأحاسيس والعاطفة، وليس مجرد تعود مسلكي.
وبالقطع، إذا اكتشف المُعطي أن الطرف الآخر يبخل في مشاعره، وتصرفاته، ستقل وطأة المشاعر بداخله، وبالتبعية ستقل رغبته في العطاء تدريجيًا إلى أن تنضب تمامًا، لاسيما لو كان هذا العطاء يتسم بالدوام والاستمرارية مع الإيثار والتضحية، فلو كل هذا اجتمع بداخل إنسان، واكتشف أن المُتلقي لا يُقدر، ولا يُبادل المشاعر بالمشاعر، ستموت بداخله تلك الأحاسيس، ورد الفعل هذا ليس انتظار لثمن أو مقابل لتلك المشاعر، ولكنه احتياجًا للتقدير والمُعاملة بالمثل التي نأملها جميعًا من كل مَنْ تفيض قلوبنا بأحاسيس العطاء الصادقة حيالهم.
فحقًا هناك عد تنازلى لكل شيء، ومنها مشاعر العطاء، لو تم مقابلتها بالبخل العاطفي والأنانية في الأحاسيس، فهنا سيتبدل الشعار، ويُصبح “لابد أن يكون للعطاء حدود”.