
كلنا تعلمنا وحفظنا قولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما تشفّع عنده حِبُّه أسامة بن زيد -رضي الله عنه- كي لا يقطع يدَ المرأة المخزومية لسرقتها: ” أتشفعُ في حدّ من حدود الله، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وايمُ الله لو أن فاطمةَ بنت محمدٍ سرقت لَقطعتُ يدها “. (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما).
وبعيدًا عن المعاني الجليلة والمفاهيم البليغة التي أرساها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه هذا إلا أن سؤالًا أخذ يُلحّ عليَّ : ألديَّ القناعة الراسخة والإيمان الذي لا يساوره شكٌّ في إنفاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أقسم عليه؟! أيُقدمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (الأب) فعلًا على قطع يد فلذة كبده، وبضع نفسه وريحانته، إن هي أقدمت على ذلك؟! وحاشاها أن تفعل ويستحيل؛ فهي الطاهرةُ المطهّرة سيدةُ نساء أهل الجنة، وأمُّ الحسنيْنِ سيدي شبابها، أم أنه قسمُ العازم الحازم الجاد، وظني ويقيني أنه كذلك، وفي الوقت نفسه قسمُ الواثق في ابنته، وحسن تربيته لها، وهي كذلك؟!
وخرجتُ عن دائرة تلك المعاني ووجدتني، وكلّي إيمانٌ ويقينٌ، ودون أدنى شكّ بأنه صلى الله عليه وسلم سيفعلُ ذلك ماديًّا، وأنه سيُقدم على ذلك فعلًا، ودون أدنى تردد أو تباطؤٍ أو تبريرٍ أو تثبيطٍ من هذا أو ذاك؛ لأنه النبي لا كذب، لأنه رسول الله وقاضيه العادل في الأرض. فكيف لرسول العدل، والذي عرف، ألا يكون عادلًا؟! سيفعل ذلك لإيمانه الراسخ بفكرة العدل المطلق كمبدأ وحيدٍ لصلاح البلاد والعباد، وإقرار قيم الخير والحق والجمال، والتي بُعث بها، وإنْ لم يفعل –وحاشاه- طُعنت دعوته ورسالته في مقتل.
وبعيدًا عن كل هذا ويزيد رُحتُ أتساءل مجددًا: هل هناك أبٌ من لدُن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين المهديّين، وحتى يومنا، هذا لا سيما ممَن يُؤمن بالعدل كفكرةٍ مطلقةٍ مجردةٍ، ويطلبه، ويدعو إليه، ويروّج له سيُقيمُه حدَّ إقامته على فلذة كبده فعلًا واقعًا ماديًّا؟! سؤالٌ يحتاج إلى مزيدٍ من البحث والتأمل ليجدَ الإجابة.