
بقلم :عصام محمد عبد القادر
أحد أسرار التمسُّك بالحياة لدى من يعيشها صافي الوجدان، سويِّ النَّفس، طاهر السَّريرة، أنه يمتلك في قلبه الحُبَّ، الذي يُوْلَدُ بين مشاعر، وأحاسيس، تتغذَّى على الصِّدق في القول، والفعل، وتدفع بموجات الحنين نحو كل ما نكنُّ له هذا المعنى الرَّقْراق، وفقًا لطبيعة موقعه في القلب، ومُدْركه بجنبات العقل؛ فهناك صورٌ متباينةٌ، ودرجاتٌ مختلفة منه، تجاه الآخرين؛ لذا لا صحَّةَ للمعايرة بين ألوانه، ولا عدالة في المقارنة بين مَنْ نمْنحهم تلكم القيمة العظيمة في معناها، ومغْزاها.
الحُبُّ يمنحها العزيمة، والمقْدرة، والإرادة؛ كي نحْرصَ ألا ينْضبَ كأس المعزَّة، الذي يتشرَّبُ منه وجدان مَنْ نُحبُّ؛ فنؤثره على أنفسنا، ونتحمَّل من أجل أن يرتوي، وألا ينتابه هواجس هجراننا؛ ليبحثَ عن بديل يجد لديه شاردته؛ لذا لا نملُّ من تجديد كأس المحبَّة، الذي يتجرَّعُ مذاقه، يعود إلى واحة حنان الحُبِّ الصَّادق؛ ليغترفَ منه ما يشبع رغباته، ويُضْفى ماهيَّة الطُمأْنينة على كيانه، ليصبحَ قادرًا على تبادل جرعاته مع من يُحِبُّ.
تقلبُّ الأمْزجة لا تؤثر في ماهيَّة الحُبِّ، ولا تغيَّره من تدفُّقه نحو من نُحبُّ؛ لأنها صفاتٌ قد ارتبطت بالوجدان، تأْثيرُها قد يكون مرهونًا بوقت مُحدَّد؛ ومن ثم لا تأخذ صفة الاسْتدامة، أو الاسْتمراريَّة لدينا؛ فالحبُّ راسخٌ في الوجدان، متغلغلٌ في القلوب، دومًا يعيد الأمور إلى نِصَابها، بعدما يُصَابُ الإنسان بألمِ المواقف الصَّادمة؛ فنحن بنِى البشَر قد منحنا اللهُ- عز وجل- نعمة النِّسيان، التي تساعدُنا في تجديد طاقةِ الأمل في قُلوبنا، وتجْعلُنا نبحث بكل شغفٍ عمَّن نحبُّ؛ كي نستشعر الرَّاحة، وتكْسو قلوبَنا السَّكينةُ.
في حياتنا الخاصَّة منها، والعامَّة، كثيرًا ما نواجه صور الضُّغُوط، التي تُرْبكنا، وتثير مشاعرنا، وتلقي بتفكيرنا في بوتقة الهُموم، وعندما نلْتقي الأحبَّة نجد أن طاقة من النُّور قد فتحت لها القلوب، فباتت تشْعرُ بالارْتياح؛ فقد تلاقتْ الخواطر من أجل طمأْنة القلوب بأن لكل مُعْضلة حلول تلوح في آفاق من يرى الحياة، والأمل، والرِّضا يملؤ قلْبَه؛ فتهون الصِّعابُ، وتنفكُّ الكروب، وتذوب المنغِّصات، ويستبدلها الإنسان منا بسعادة، يتقاسم أطْرافها مع من نُحبُّ.
الحبَّ الحقيقيِّ، الذي أطلَّنا التفصيل، والسَّرد فيه، لا يمكن أن يذوب مُكوِّنه، ولا ينتهي من بُحُور القلوب؛ فالحياة بدونه لا معنى لها؛ فرغم غياب من نُحبُّ، سواءً فارقوا الأماكن، التي نعيش معهم فيها، أو بجوارها، أو فاضتْ أرواحهم، وقد سبقتْنا إلى دار المُسْتقَّر؛ لكنَّ درجاتِه، وعلاماتهِ باقيةٌ في الفؤاد، لا تُمْحى من ذاكرة، قد حفرتْ فيها مسيرة العطاء من جانب من نحبُّ، أو كانت متبادلة؛ لذا لا يُطْفُأ سراج المحبَّة ما بقيتْ الحياةُ قائمةً.
قرار التَّنازل عن محبَّة مَنْ نحبُّ جدُّ خطير؛ حيث يجْعلُنا سريعًا نعيد ترتيب أولوياتنا؛ لنكتسب مفاهيم جديدة، تمدُّنا بالقُوَّة، التي نعيد بها مستويات الثقة لدينا؛ كي نجتاز الحواجز المعنويَّة، والماديَّة؛ لنُثْبتَ أنْفُسنا أنَّ رغبتنا في الحياة لها وجودٌ، وحيِّزٌ يجعلنا نتمسك بما تزْخر به من نعم منحنا اللهُ – تعالى – إيَّاها، من غير حوْل منا، ولا قوة؛ ومن ثم نعيشُها بكيان غير مشُوب، وبعين ترى جمال الطَّبيعة من حولها؛ فيهيمُ الخيالُ إلى حيث يشاء، حتى يعانقَ نسائمُ الحبِّ، التي كُتبَ له أن يسْتنشقَ عبَقه.
حياة الحبِّ لا غنى عنها، ومسْتقبلُنا بعيدٌ عنها، قد تشوبه الضبابيَّة، وتكْسُوه فرضيَّات الماديَّة، التي تقتل أجمْلَ ما في الطبيعة الإنسانيَّة؛ لذا دعونا نقوِّض شتَّى المُسبِّبات، التي تضير بقيمة الحُبِّ، الذي يُجدِّد طاقتنا، ويشحِّذُ هِمَّتُنا، ويجعل للسُّرور، والسَّعادة منبعًا لا يتوقَّفُ؛ فنرى دومًا الأشياء مُزْدهرة، ونُمعِّنُ الأنٓظار فيمن نُحبُّ؛ لنغترفَ من فيض مشاعرهم ما يُعينُنا على أن نسْتكملَ مسيرة الكفاح من أجل أن نغرسَ بذور المحبَّة في صور الخير، الذي نحْملُه بين أيْدينا، وللآخرين ممن يُحيطُون بنا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.