اد. عادل القليعي يكتب: ما يحدث الآن على الساحة الثقافية في مصر.!

محمد دياب15 يوليو 2025
اد. عادل القليعي يكتب: ما يحدث الآن على الساحة الثقافية في مصر.!
اد. عادل القليعي يكتب: ما يحدث الآن على الساحة الثقافية في مصر.!

كتبنا كثيرا عن واقعنا الثقافي المصري المعاصر ، وسنظل نكتب ولن نمل الكتابة لماذا ؟!، لأن الثقافة هي الركيزة الأولي في بناء هوية الإنسان ، وهي حجر الزاوية الذي تقوم على أساسه شخصيته الناقدة.
ومن منطلق واجبنا الوطني وحرصنا على بلدنا الحبيب مصر وأمنياتنا أن تعود سيرتها الأولى وتتبوأ مكانتها الثقافية على المستويين الإقليمي والدولي.

فكان لزاما على كل صاحب قلم حر أن يكتب عندما يرى خللا ما ناقدا نقدا موضوعيا بعيدا عن شخصنة الأمور ، نقد يثري الفكرة التي يتصدى لنقدها بغية تقديم حلول ناجعة لها.
إن ما تتعرض له الثقافة في مصر الآن ، ما تتعرض له من انتكاسات متلاحقة ، جميعها تراكمت فشكلت جبلا من المعضلات ، فالمشكلة ليست في تغيير قيادة ، فالقيادة دورها إداري يدير المؤسسة التي كلف بإدارتها. وإن كنت لا أعفيها من مسؤوليتها عن أي تدهور يصيب ثقافتنا.

لماذا ، لأنه وكما تقول الحكمة أو المثل ، أهل مكة أدرى بشعابها ، بمعنى هو أعلم بمن داخل هذه المؤسسة ، ومن ثم عليه حسن اختيار قياداته بعيدا عن الشللية والوساطة والمحسوبية ، وإنما عليه أن يضع الأمور في نصابها الصحيح دونما مجاملة لأحد ، إذا أراد أن تستقر وتزدهر مؤسسته التي يترأسها.

فهل يعقل أن يأتي تشكيل المجلس الأعلى للثقافة بهذه الصورة التي أعلنت ، أي منطق ، وأي عقل يقبل بمجلس معظم أعضاؤه تجاوزوا السن ما بين الثمانين والتسعين ، مع كامل تقديري لهؤلاء القامات الكبيرة، لكن أليس هناك وجوه شابة مثقفة أثرت حياتنا الثقافية ولا يزال عطاؤهم مستمرا ، فهل هذا الاستبعاد متعمد ، وإذا كان ذلك كذلك فسؤالي لماذا كل هذا التجاهل.

هل نحن حقا نريد تحقيق صحوة ثقافية في ظل ما نحلم به لبلدنا من تحقيق تنمية مستدامة.
فكيف يتسنى ذلك إذا لم يكن هناك موائمة وموافقة بين خبرات الكبار وحماس الشباب ، خصوصا ، شبابنا المثقف المفوه الذي يعول عليه تعويلا تاما في إدارة المشهد الثقافي.

نحن لا نتنصل من كبارنا فهؤلاء علمونا ، لكن إذا أردتم تكريمهم ، فامنحوهم الأوسمة والنياشين ، امنحوهم معاشات ومكافآت استثنائية ، لكن لا تمنحوهم عضويات شرفية ، فرجال أكارم حفظهم الله تجاوزوا السن وبلغوا من العمر أراذله ما الذي سيقدمونه للثقافة المصرية.

أما الشباب المفعم بالحيوية فيملأون ربوع مصر ، في مدنها ، نجوعها ، قراها ، ابحثوا عنهم ، فبقليل من الجهد ستجدونهم تحت أمر بلدهم ملبين النداء ، الارتقاء بمنتوجنا الثقافي ، واعطاء كل ذي حق حقه.

فإنه عندما يرى الشباب ، شباب المثقفين مثل هذه التشكيلات ، ما عساهم فاعلين ، ضرورة سيصابون باليأس والضيق والقلق على مستقبل الثقافة فيه بلدنا ، وقد ينزوي ويترك الساحة ويرمي أوراقه ويكسر قلمه ويصاب باللامبالاة
وإذا ما حدث ذلك لا قدر الله ، فسنصلي قريبا صلاة الجنازة على ثقافتنا المصرية وهذا ما لا نتمنى أن يحدث.

بل وأزيدكم من الشعر بيتا فإن ذلك سيؤدي إلى غياب المثقف الحقيقي ، أو بمعنى أدق تغييبه بقصد أوعن غير قصد.
أما تغييبه بقصد وذلك عن طريق تهميشه فلا يلتفت إلى أعماله ومؤلفاته وكتاباته ، وإذا ما قال رأي مخالف تكال له الإتهامات خصوصا إذا كان رأيا سياسيا ، على الفور توجه له تهمة الخيانة الكبرى وتلفق له قضايا قد تقعده فى السجون بقية حياته.
وهذا أبشع أنواع التغييب المقصود.

وثم نوع آخر من التغييب المقصود ، فإذا ما أعلنت وزارة الثقافة عن التقدم لجوائز الدولة ، يتقدم ، وقد يكون عمله يرقى لنيل مثل هذه الجوائز فتمنح لغيره ، لماذا لأنه من ذوي الحظوة أو طبلته مسموعة وصوتها عال (على واحدة ونص).

أو محسوب على فلان أو فلان ، فلا يلتفت إلى إنتاجه الثقافي المتڨدم به وإنما فخامة البذة التي يرتديها وهذا تعبير مجازي ، أقصد فخامة الهدية التي يقدمها أو فخامة وساطته.

أما التغييب المقصود ، فالكاتب قد يصاب بحالة من الإحباط الوجودي ، بمعنى يشاهد زيد أو عمرو يرتع فى ملذاته وتغدق عليه العطايا.
وهو لا يجد حتى ما يكمل به شهره وتتراكم عليه الديون ، على الرغم من أن كتاباته عملاقة ومن الممكن أن تعالج قضايا خطيرة تمس واقعنا المعيش ، لكن تهمل ويلتفت إلى القصص الهابطة التي تشرعن للرذيلة والعهر والعري.

فلا يجد حيلة أمامه إلا إما أن يترك الساحة لأمثال هؤلاء الرويبضة ، أو ينخرط مع هؤلاء ليجمع المال فيكتب ما يطلبونه منه ، وهذا عامل خطير من عوامل إنهيار الثقافة لا في مصر فقط ، وإنما في كل وطننا العربي إلا ما رحم ربي.

وهذا ما يسمى بالاتصال الثقافي اتصال بين عقول لا تجمعهم ببعضهم البعض أي صلات اللهم إلا المصلحة الفردية فتتلاقى العقول فى نقطة واحدة ألا وهي كيف نوظف عقولنا لجمع المال الذي يصنع المعجزات من وجهة نظرهم ، فتتحول العقول إلى آلات ميكانيكية منتجة للذة والشهوة وكل ما هو رذيل.

إذن هذا اتصال دون تواصل ، لأن التواصل يختلف جملة وتفصيلا ، فالتواصل كما عرفه كارل ياسبرز ، هو انفتاح الذوات على بعضها البعض ، حتى لو لم تتلاقى الأبدان ، وإنما التلاقي هنا تلاق الأرواح ، أو تلاقي الذوات.

فإذا ما حدث وتلاقت الذوات واجتمعت حول فكرة بعينها كل يعبر عما يجيش بخلده حيالها ، هنا فقط سيحدث المراد ، الانبعاث الثقافي الجديد ، الذي يحقق الوجدان المعرفي الحقيقي الذي يتحقق معه ما نصبو إليه ، الصحوة الثقافية المتمثلة فى الاستنارة والتنوير الذي معهما ومن خلالهما يقدم منتوج ثقافي جيد يخلد في ذاكرة الأمة سواء نص أدبي أو قصيدة شعرية أو عمل فني راق.

لعل غرضنا من هذه المقالة قد اتضح الآن ، نريد أن نرتقي بواقعنا الثقافي المصري والعربي على حد سواء ، لماذا ، لأننا فعلا أهل لذاك ، ولأننا نريد لمصرنا والتي من خلال نهضتها الثقافية ستتحقق نهضة الأمة العربية.
نريد لمصر ولأمتنا العربية أن يتبوءا مكانتهما اللائقة بهما كسابق عهدهما وسط هذا الزخم الثقافي على الساحة العالمية.

ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال تضافر كآفة الجهود وأهمها التحول من الإتصال العقلي إلى التواصل الذواتي ، الإنفتاح على الآخر ، انفتاح دونما إفراط أو تفريط ، انفتاح لا يفقدنا هويتنا الثقافية وإنما انفتاح عن طريق تواصل معرفي حقيقي.
وقتها سيتحقق مرادنا وستتحقق صحوتنا المنشودة.

أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.